28 فبراير . 6 دقائق قراءة . 1039
قطار دمشق
شغف إبراهيم البحث في تفاصيل المدن، ولديه عادة غريبة، في تركه تذكارا قبل خروجه منها، بصناعة قبر يعبّر عن أهم ما توصل إليه، ليصف المدينة بشكل قبر.
أبو سليم، صاحب الفندق، أصبح متشوقا أكثر للحديث مع ضيفه الغريب الطباع والافكار، ينتظره لمرافقته بجولة عامة حولة المدينة. نزل إبراهيم من غرفته ونظر إليه، وقال " ألن نتناول الفطور قبل الانطلاق؟"، ليرفع أبو سليم يديه مشيرا له بالاقتراب، " تعال، ليس لدي وقت دائما لك، سنتناول قطعة عجين واحدة تعطيك متعة غير مسبوقة، إنها الكرواسان، هل تعرفها ؟ "، ابتسم إبراهيم موافقا ومستغربا من الحديث عن طعام بهذا الحب.
" بالفعل طعمها رائع"، الشوكولا تحيط بفمه، ماسكا الكرواسان بلكتا يديه، قال جملته، ليستقبلها أبو سليم بهز رأسه كأنه يقول له، قلت لك ولم تصدقني. وصل الرجلين إلى ساحة المسكية، هي ملتقى الجامع الاموي ومدخل سوق الحميدية التجاري وحجارة معبد جوبيتر الاثري، وحولهم على الارض بشر يدخلون ويخرجون من كل المداخل، وحولهم في السماء طيور الحمام كأنهم حراس لمن هم على الارض.
توقف أبو سليم وأخرج من جيبه حبوب القمح لإطعام الطيور، وأخذ يرميها على الارض متحدثا..
أبو سليم: أنت الان في مركز الكون بالنسبة لدمشق، هنا أساس المدينة
إبراهيم : تقصد بناء المدينة انطلق من هنا؟
أبو سليم: ليس بالضرورة، أقصد أن ثنائي المدينة، المعبد والتجارة تشكل أساس وأهمية دمشق
إبراهيم: السوق التجاري والجامع الاموي؟
أبو سليم: دمشق ملتقى طرق التجار لتبادل البضائع، وبعض التجار كان يأتي بطقوسه الدينية، مع الوقت أصبح هناك تكامل بين التاجر والكاهن مهما تبدل دينه
إبراهيم: علاقة متبادلة ومعقدة!
أبو سليم: دعنا نكمل طريقنا، لديك أيام لتتعرف أكثر عن أهميتها.
عيون إبراهيم تراقب كل زاوية داخل سوق الحميدية، المحال والباعة والمنتجات، عن مشهد الناس المتنقلة، ليصلا أخيرا إلى نهاية السوق المغطى، ويقول له، " هذا هو شريان دمشق، من بداية المعبد إلى أخر بائع ألبسة "، ليرد عليه إبراهيم وعيونه نحو الجهة المعاكسة " ما هو ذلك المبنى الحجري؟"، ليكون الجواب بانه محطة الحجاز للقطارات، وفي الجهة المقابلة أحد فروع نهر بردى الاتي من الجبال البعيدة. يعبّر الضيف عن رأي معاكس لتوصيف مستضيفه..
إبراهيم: شريان دمشق هو الماء والقطار، لولا بردى لما كان هناك مدينة ولا حياة حسبما كنت أبحث في الكتب قبل وصولي إليكم، والقطار أو العجلات هي التي ستأخذ المدينة إلى الخارج، لتعرّف الناس عليكم وتأتي إليكم بغير ثقافات
أبو سليم: لم أقل لك أننا منغلقون على إنفسنا!
إبراهيم: من حديثك أفهم أنكم تنتظرون من يأتي إليكم
أبو سليم: في الصباح لم تثق بالكرواسان حتى تذوقته، انتظر قليلا لتتعرف أكثر على لبّ المدينة وخميرتها وعجينها، حتى تتذوق طعمها الصحيح
السؤال الاخير من إبراهيم كان عن طريق طويل، ليقول له "هو طريق بيروت"، "من المفترض أن تكون محطتي التالية " قال نحات القبور.
سفينة بيروت
أخرجت رشا دفترا جديدا لتبدأ بتدوين رحلتها في بيروت، فهي تترك دائما في إحدى المكتبات العامة، دفترا يصف المدينة ولكن بإسلوب "الاساطير" الادبي، برموزه وتعابيره. على شاطئ "عين المريسة" وقفت بانتظار السيدة سعاد، صاحبة المكتبة، لتصل بفنجاني قهوة، هي تحب الجلوس مع أشعة الشمس والبحر، على صخرة بعيدا عن الناس، تسميها "قهوة بيروت".
سعاد: من أين سيبدأ بحثك ؟
رشا: لا جهة محددة في رأسي، دائما ما أترك الامور تأخذني
سعاد: ميناء بيروت قد يساعدك، أو حتى أكثر من ميناء على الساحل مثل جبيل وطرابلس
رشا: لأنها كانت المنطلق نحو الحضارات الاخرى؟
سعاد: وأيضا ما يأتي من تلك الشعوب إليها، بيروت مدينة ليست مغلقة
رشا: ألا تضيع الهوية بهذا الانفتاح غير المكتمل؟
سعاد: لا أعتقد، ربما هويتها هي التنوع المتجدد دائما، الميناء هو الاساس
تقف رشا متوجهة برأسها نحو الجبال، التي في بعض أمكانها تصبح كاليد المتداخلة مع الموج من شدة قرب الجبال من الشاطئ...
رشا: أخالفك الرأي قليلا، الجبال لها دورها أيضا، الكثير من العائلات أصولها من قرى جبلية، وحتى ما خلف الجبال وصولا إلى بر الشام
سعاد: صحيح، لكن بالنهاية الميناء كان نافذتهم، هو يشبه نافذة القطار
رشا: المدينة بحاجة إلى جبل يحميها من الخلف
سعاد: لا يجب أن تسيطر الاساطير على تفسيرك لكل ما تراه عينيك
تسير صاحبة المكتبة والباحثة بالاساطير مسافة طويلة مبتعدين عن الشاطئ إلى داخل أحياء المدينة، لتقف رشا وتقول " أعتقد أنني عرفت من أين البداية "، تنتظر سعاد الاجابة منها، لكن رشا تطلب منها إكمال المسير في إشارة أن الجواب في وقت لاحق.
سعاد: لا يخدعك مظهري الخارجي فانا أتعب من السير، هل يمكننا العودة والاستراحة؟
رشا: طبعا لا مشكلة، لكن هذا الطريق الطويل الذي يشق الجبل إلى أين يصل؟
سعاد: هذا طريق الشام، يدخل في أحياء بيروت متجها نحو الطرق الجبلية
رشا، تقف لمدة دققتين تنظر أبعد من الجبال، كأنها تنتظر ما يثبت نظريتها بقدوم العائلات من خلفها إلى بيروت، " هل تريدين الذهاب إلى الشام حتى توقفتي ؟"، تسأل السيدة سعاد، تنفي رشا برأسها، " أبدا، لكن تذكرت مقولة فرنسية تصف الطريق المستقيم أنه، طريق دمشق ".
14 أبريل . 5 دقائق قراءة
22 فبراير . 6 دقائق قراءة
09 مايو . 5 دقائق قراءة